Ahmed's Reviews > التي
التي
by
(مدن الملح1)
كيف يمكن للأشخاص و الأماكن أن يتغيروا إلى الدرجة التي يفقدون صلتهم بما كانوا عليه , و هل يستطيع الإنسان أن يتكيف مع الأشياء الجديدة و الأماكن الجديدة دون أن يفقد جزءًا من ذاته ؟
في الفلكلور المصري توجد قصة طريفة عن (عوّاد) ذلك الفلاح البسيط الذي فتنته الدنيا ليبيع أرضه , ويصبح بعد ذلك مثار للسخرية بل موضوع لأغنية شهيرة تقول : عوّاد باع أرضه , ياولاد , شوفوا طوله وعرضه ! يا ولاد . وهكذا .
نحن هنا أمام أمة بيعت بأكملها على يد أبناءها , وبدلُوها بالذهب والفضة , ليعانوا بعد ذلك طوال عمرهم , ولكن مهلا . وماذا كان بأيديهم أن يفعلوا ؟ وما أدراك أنهم غُصبوا على الرضوخ , والبيع !
نحن أمام عمل على درجة عالية من الحساسية , فالكاتب أبى إلا أن تكون روايته من العظمة بمكان , فقد اختار التركيز على تغيرات المجتمع السعودي بعد اكتشاف البترول وتدفق العمران على نواحي المملكة , وكيف كان هذ التغير حسنًا في الظاهر إلا أنه أصبح وبال فيما بعد ذلك .
و إن كان السعوديين قد باعوا شئ من حضارتهم أو طريقة حياتهم , فإن تلك العملية (البيع) كانت وما زالت إلى الآن هي الصفة المشتركة الأكبر بين بني العرب ومجتمعاتهم أجمعين , فمن باع وطنه لأغراب لكي يحوزوا رضا ومن باع وطنه لمورد اقتصادي خادع إلى ما دون ذلك .
هي تلك الأعمال التي تترك بداخلك رعشة , قد تكون رعشة حزن أو رعشة حسرة , رعشة لاإرادية تنتابك وتجعلك على تواصل مع شخصيات و أحداث الرواية .
العمل بسيط محكم , يقدم لك الأحداث و أثرها على البشر يصورة بليغة غاية الحكمة , يتلاعب بالحكم لكي يصل إلى غرضه النهائي وهو حسن توصيف الوضع .
العمل ملئ بالدراية وحسن استيعاب الوضع كما أنه عليم بالغاية بالنفس الإنسانية وما تلجأ إليه من وسائل لدرء الهجوم عنها .
يعيد الكاتب تذكر أيام النفط الأولى بحس خبير بارع في الوصف والتحليل , خبير خالط الناس والآلات فترة كافية تجعله جيد في توصيف العلاقة بينهما و لأن “الذاكر� لعنة الإنسان المشتهاه ولعبته الخطرة، إذ بمقدار ما تتيح له سفراً دائماً نحو الحرية، فإنها تصبح سجنه. وفي هذا السفر الدائم يعيد تشكيل العالم والرغبات والأوهام� فقد كانت الذاكرة سجن لناس ولعنة لهم وكانت حرية لآخرين.
و في النهاية تذوي التفاصيل , تتراجع ثم تغيب . وحتى تلك التي لا تزال عالقة بالذاكرة , ربما ولدتها الرغبة أو ولدها الخيال الجامح , لأنه أية محاولة لاستعادة صورة الأشياء , والأماكن و الملامح تصطدم بالنسيان الذي يتمدد كالهواء الساخن , يجعل كل ما جرى أقرب إلى الحلم . ليبقى كل ما جرى أقرب إلى الحلم.
عمل روائي محكم , مستوفي جميع شروط العظمة , واستحقاق الخلود الأدبي :
من لغة متقنة غاية في القوة والبلاغة , واستخدام مريح للفصحى تجعل القراءة سلسة ممتعة , حتى إذا تخللتها بعض الجمل الحوارية العامية .
إلى قوة التشبيهات و الوصف وحسن توظيفها وترجمة خبرة الكاتب العملية إلى تجربة روائية جميلة ,
إلى رسم للشخصيات من أبلغ ما يكون و تقديمها بالصورة الكافية التى تجعلنا نعايشها ونتأثر بها .
في النهاية عمل عظيم يستحق المكانة التي يحتلها والتقدير الذي يناله.
by

(مدن الملح1)
كيف يمكن للأشخاص و الأماكن أن يتغيروا إلى الدرجة التي يفقدون صلتهم بما كانوا عليه , و هل يستطيع الإنسان أن يتكيف مع الأشياء الجديدة و الأماكن الجديدة دون أن يفقد جزءًا من ذاته ؟
في الفلكلور المصري توجد قصة طريفة عن (عوّاد) ذلك الفلاح البسيط الذي فتنته الدنيا ليبيع أرضه , ويصبح بعد ذلك مثار للسخرية بل موضوع لأغنية شهيرة تقول : عوّاد باع أرضه , ياولاد , شوفوا طوله وعرضه ! يا ولاد . وهكذا .
نحن هنا أمام أمة بيعت بأكملها على يد أبناءها , وبدلُوها بالذهب والفضة , ليعانوا بعد ذلك طوال عمرهم , ولكن مهلا . وماذا كان بأيديهم أن يفعلوا ؟ وما أدراك أنهم غُصبوا على الرضوخ , والبيع !
نحن أمام عمل على درجة عالية من الحساسية , فالكاتب أبى إلا أن تكون روايته من العظمة بمكان , فقد اختار التركيز على تغيرات المجتمع السعودي بعد اكتشاف البترول وتدفق العمران على نواحي المملكة , وكيف كان هذ التغير حسنًا في الظاهر إلا أنه أصبح وبال فيما بعد ذلك .
و إن كان السعوديين قد باعوا شئ من حضارتهم أو طريقة حياتهم , فإن تلك العملية (البيع) كانت وما زالت إلى الآن هي الصفة المشتركة الأكبر بين بني العرب ومجتمعاتهم أجمعين , فمن باع وطنه لأغراب لكي يحوزوا رضا ومن باع وطنه لمورد اقتصادي خادع إلى ما دون ذلك .
هي تلك الأعمال التي تترك بداخلك رعشة , قد تكون رعشة حزن أو رعشة حسرة , رعشة لاإرادية تنتابك وتجعلك على تواصل مع شخصيات و أحداث الرواية .
العمل بسيط محكم , يقدم لك الأحداث و أثرها على البشر يصورة بليغة غاية الحكمة , يتلاعب بالحكم لكي يصل إلى غرضه النهائي وهو حسن توصيف الوضع .
العمل ملئ بالدراية وحسن استيعاب الوضع كما أنه عليم بالغاية بالنفس الإنسانية وما تلجأ إليه من وسائل لدرء الهجوم عنها .
يعيد الكاتب تذكر أيام النفط الأولى بحس خبير بارع في الوصف والتحليل , خبير خالط الناس والآلات فترة كافية تجعله جيد في توصيف العلاقة بينهما و لأن “الذاكر� لعنة الإنسان المشتهاه ولعبته الخطرة، إذ بمقدار ما تتيح له سفراً دائماً نحو الحرية، فإنها تصبح سجنه. وفي هذا السفر الدائم يعيد تشكيل العالم والرغبات والأوهام� فقد كانت الذاكرة سجن لناس ولعنة لهم وكانت حرية لآخرين.
و في النهاية تذوي التفاصيل , تتراجع ثم تغيب . وحتى تلك التي لا تزال عالقة بالذاكرة , ربما ولدتها الرغبة أو ولدها الخيال الجامح , لأنه أية محاولة لاستعادة صورة الأشياء , والأماكن و الملامح تصطدم بالنسيان الذي يتمدد كالهواء الساخن , يجعل كل ما جرى أقرب إلى الحلم . ليبقى كل ما جرى أقرب إلى الحلم.
عمل روائي محكم , مستوفي جميع شروط العظمة , واستحقاق الخلود الأدبي :
من لغة متقنة غاية في القوة والبلاغة , واستخدام مريح للفصحى تجعل القراءة سلسة ممتعة , حتى إذا تخللتها بعض الجمل الحوارية العامية .
إلى قوة التشبيهات و الوصف وحسن توظيفها وترجمة خبرة الكاتب العملية إلى تجربة روائية جميلة ,
إلى رسم للشخصيات من أبلغ ما يكون و تقديمها بالصورة الكافية التى تجعلنا نعايشها ونتأثر بها .
في النهاية عمل عظيم يستحق المكانة التي يحتلها والتقدير الذي يناله.
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
التي.
Sign In »
Reading Progress
Started Reading
February 27, 2015
– Shelved
February 27, 2015
–
Finished Reading
''الحياة كلها صعوبات، والدليل على ذلك أن الطفل حين يخرج من الرحم يبدأ الحياة بالبكاء والصراخ، وتستمر الصعوبات يوماً بعد يوم، منذ لحظة الميلاد وحتى ساعة الموت.''