عبدالرحمن منيف من أجمل من يكتب عن القرى والأرياف والبادية، هذا الرجل متخصص في كتابة الحزن الدافئ الذي لا يعرفه أهل المدن، الحزن الذي يطغى على المجالس عبدالرحمن منيف من أجمل من يكتب عن القرى والأرياف والبادية، هذا الرجل متخصص في كتابة الحزن الدافئ الذي لا يعرفه أهل المدن، الحزن الذي يطغى على المجالس والاجتماعات، الحزن الجماعي لا تعرفه سوى القرى، حيث الناس يتجمعون حول النار يتسامرون بأتراحهم وأفراحهم وحزنهم وحكاياتهم الممتدة حتى البادية والعميقة كعمق البراري، يعرفون الحب ويدهشون للموت ويسارعون لالتقاط أصغر الحكايات وينشبون كل أنواع الفضول، هذه القرية التي يتحدث عنها منيف هنا في الرواية هي قرية نعرفها، عاش فيها من سبقونا، نحس بأوجاعهم واهتماماتهم الصغيرة، قصة القحط الذي يصيب القرية فجأة يحولها إلى ركام وتعب وغضب وصراخ وجوع وازدراء وضغينة وعويل وخيبة، كل ذلك بالنسبة إليهم لا يمكن أن يحتمل، هذه القرية التي تعتمد كلياً على الزراعة، يمارس أهلها انتظار الأمطار كما تنتظر الأم مولودها، كل قطرة مطر بالنسبة لهم عبارة عن مؤشر رضى السماء عنهم، يراقبون الغيوم، يترصدون السماء، وبما أن هذه السنة كانت من سنوات القحط فقد لجأ أهل القرية بعد أن أعياهم الجوع وأخذ منهم التعب كل مأخذ وسدت الطرق أمام أعينهم، فأنهم لم يجدوا سوى الصيد سداً لذريعة الجوع وخطفاً مجهداً للقمة العيش البليدة التي تحولت كالجبال والصخور أمام محنتهم، قرية أصبحت عارية من كل شيء سوى نظرات التعب والنظر للبعيد لعل السماء ترأف بهم وتسقط على بيادرهم اكواماً من المطر..
لم يجد أهل (الطيبة) إلا الصيد، فبدأوا بصيد الطيور والأرانب والوعول، الأرض الجافة حولت حتى وجود هذه البهائم والطيور إلى شيء نادر الحدوث، انقطاع الأمطار وذهاب الزرع سمح بهجر الطيور وفرار جميع الحيوانات التي يُطمح بصيدها، تحولت الطيبة إلى سباق حتمي مع الجوع والخوف، الخوف من الجوع والهجرة وترك المكان، هجر الطيبة، هذه القرية التي تبدو بكل مساوئها كانت تبدو لأهل الطيبة مثل جنة غارقة وسط البادية، الخوف من القحط ذاته وكأنها لعنة حلت عليهم ..
هنا تبرز شخصية عساف في الرواية، وهي من أجمل الشخصيات الروائية التي قرأت عنها في حياتي، لم يكتب عنها منيف سوى خمسين صفحة، ولكنها ملأت عيني بالدمع، بقيت مشدوهاً ومتعلقاً بهذه الشخصية التي تبدو وكأنها قادمة من عالم الأساطير، هو شخص عادي، صياد، وحيد، ذئب منفرد بذاته في قرية تلعن الغرباء، ولكنه أثبت ذاته رغم غرابة تصرفاته ورغم قلة حديثه مع الناس، تحول إلى بطل، إلى منقذ القرية من بين أنياب الجوع والضياع، عساف كان صياداً فريداً، صامتاً، يصيد أكثر مما يتكلم، صوته وغرابته وحماسه الشديد لأنقاذ القرية جعل منه محبوب القرية وسفينة النجاة في زمن القحط والجفاف والخواء، بطل مثل هذا هل يمكن أن يعيش طويلاً، هل يمكن أن يتمرد قدره على صعوبات الحياة وسط هذه الحمأة من القسوة والصراع على لقمة العيش.. عساف هو رمز البطولة، الكفاح، العطاء بلا حدود، القوة، الشجاعة، التضحية، مقارعة الشكليات، رمز للإنسان الذي عاش مع الطبيعة أكثر مما عاش مع الناس، تشرب جسده من دم الغاب والبراري والوديان، الحياة ليست لهؤلاء، كم حزنت عليه وهو يحاول أن يكتم غيظه أمام أولئك المتحضرين الذي جاءوا لترف الصيد، يمسك نفسه كي لا يصرخ في وجوههم : أيها الحثالة أرحلوا من أرض الطبية واتركوا لنا طيورنا وصيدنا، لعل في هذه النقطة تتساوى الحياة مع الموت، ولكن عساف كان أشرس من ذلك وتغلب على نفسه وكتم ما كان يجب أن يقال هو وجه أولئك المترفين..
تتوسط الرواية مجموعة من القصص الأخرى المنفصلة والتي تروى تباعاً على لسان أهل القرية في ليلة خوف، ليلة كآبة، ليلة حزن، ليلة جحيم، يُراد للفجر أن يطلع ولليل أن يزول، تُروى الحكايات هنا للضرورة لا للترف، عن حيوانات غريبة الطبع، عن طيور حظيت بمساحة من ذاكرة الناس، عن كلاب كان لها شأن في يوم من الأيام، حكايات تسرد في هذا الجو الليلي في وسط الطيبة، احساس بالخوف يجعل الكل يستخرج حكاية، سواء كانت قابلة للتصديق أم لا، المهم أن يطلع النهار، أن يغادر الوجه الشاحب للعالم، وتمتلأ الطرقات بالدموع والنساء بالعويل والقبور بالأدعية على الرحيل والفقد، من شأن الطيبة الآن أن تتغير، أن يحل الصمت فتغدو القرية أكثر جوعاً وعطشاً من أي وقت مضى..
رواية حزينة ومغرية ودافئة، يعود بنا عبدالرحمن منيف إلى قرية (الطيبة) والتي وطأنا أرضها وسمعنا جزءاً من حكايتها في رواية (الأشجار واغتيال مرزوق) ، هنا نعود للطيبة وهي تعاني ما تعاني من قحط وجفاف وظروف قاسية، نعود هنا مع حكاية أخرى، لا ندري هل هي قبل حكاية (إلياس نخلة) أم بعده، هنا الأشجار كلها تبدو سقيمة والمياه جافة والسماء عارية من السحب، حكاية أخرى من الطيبة ومسار جديد، وحزن كحزن مرزوق وغربة منصور وهدوء البادية..
يا سيدي العزيز هذا هو منيف حين يكتب فأنما عليك الاصغاء للحكاية بكل شوق وتأهب، هذه السلاسة الابداعية والقدرة على الحكي ومحاورة القارئ قد لا يجيدها أحد يا سيدي العزيز هذا هو منيف حين يكتب فأنما عليك الاصغاء للحكاية بكل شوق وتأهب، هذه السلاسة الابداعية والقدرة على الحكي ومحاورة القارئ قد لا يجيدها أحد ما أكثر من المنيف، نصوص حزينة منعشة لاذعة مرتبة ، يحترم ذوقك كقارئ لا يدخل في زوائد، إنه هناك ليحدثك كصديق لا ككاتب، منيف لديه القدرة على تحريك جينات حب الحكاية لدي، إنه مميز وحساس وطاغ وبارع في طريقته في سرد أي قصة مهما كانت بسيطة ولا تهم أحداً، إنه يعود بي الى الجذور، جذور ماذا لا أعرف حقاً ولكنها أماكن بعيدة حقا ربما في الذاكرة أو من شيء معاش بعمق في الواقع أو الخيال، لقد أحسست أنني عشت على الاقل بعض حكاياه، هذا الطابع الشامي العراقي لدى البيوت والحارات والقرى والمدن وهذا الحزن المميز جدا جدا لا اعرف له طريقا الا من قبل هذا القلم..
حكايات مشبعة غنية وسهلة وواقعية وكم تمنيت أن يكون الكتاب طويلا طويلا اقرأه لمدة اشهر وليس لأيام بسيطة .....more
رواية دسمة، فخمة، عظيمة تحكي عن العراق في القرن التايع عشر، هذا العراق الذي يجسده منيف في أكثر الصور الواقعية بحكاياها وشخوصها ومستودع لهجتها البغداديرواية دسمة، فخمة، عظيمة تحكي عن العراق في القرن التايع عشر، هذا العراق الذي يجسده منيف في أكثر الصور الواقعية بحكاياها وشخوصها ومستودع لهجتها البغدادية الفخمة، رواية أحتوت على العراق الجميل وتعلقت بماضيه، العراق المتناقض والفج والمبهج والمجنون، هذا البلد العجيب الذي جسده منيف وكأنه قد عاش في تلك الحقبة الزمنية في بغداد، تعيد تشكيل العراق بوجه تاريخي، الصراعات والمحن والسياسة والتنافس على الحكم وعلاقة العراق بالخلافة العثمانية..
ماذا أقول غير أن الجزء الأول كان ملحمة بكل معنى الكلمة، ابداع في تأليف الشخصيات، الحوارات التي لا تمل منها بلهجة بغدادية أصيلة ومحببة لكل عراقي، قصص الحارات والقهاوي ودهاليز القصور وطبيعة المجتمع العراقي انذاك، الرواية تحفة فنية مشيدة بقلم منيف ..
رواية كثيفة تشعر بعدها بالأرتواء، وكذلك بحب كبير للعراق وناسه ولهجته وتحزن على الحاضر الذي يشبه المقبرة إذا ما قيس بذاك الزمن.....more
الحقيقة أن هذه الرواية تركت في نفسي على مايبدو أثرا سيئاً للغاية، الغضب الذي يتوشح الرواية ويملئه بكمية لا بأس بها من الشتائم والكلمات النابية أغرقت االحقيقة أن هذه الرواية تركت في نفسي على مايبدو أثرا سيئاً للغاية، الغضب الذي يتوشح الرواية ويملئه بكمية لا بأس بها من الشتائم والكلمات النابية أغرقت الرواية في مزيج من السخط والقبح ، لم أستطع تقبل كل ذلك العبث والهراء الذي ينبعث في الرواية، من تهكم على الذات الإلهية وكلمات مخبولة لا يحق لها أن تتواجد هنا مع هذا القلم الأدبي الرصين..
أجل، رواية مخيبة للآمال ، مضيعة للوقت والأعصاب مع ذلك الهيجان الأبليسي الرمزي اللامفهوم .....more
تنبعث هذه الحكاية التي يرويها عبدالرحمن منيف من قلب الصحراء، هذا المكان العجيب الذي يبعث دائماً الطاقة والخيال لتسرب الحكايات وصيد الكنوز المتعلقة بالتنبعث هذه الحكاية التي يرويها عبدالرحمن منيف من قلب الصحراء، هذا المكان العجيب الذي يبعث دائماً الطاقة والخيال لتسرب الحكايات وصيد الكنوز المتعلقة بالإنسان، حيث الفطرة ما زالت في طور النمو والعالم ما زال مقيداً بأحكام وأعراف صارمة، أهل الصحراء الذين هم عبارة عن مكونات غريبة من البشر، حيث العاطفة المتعمقة في الداخل مع مظهر لا يلين وصلابة تقسو مع الأيام حتى يصبح الإنسان في تلك البقعة أخاً شرعياً للطبيعة الصحراوية ..
تبدأ الحكاية ببداية إكتشاف النفط في الصحراء العربية، في مدينة صغيرة تشبه الكثير من المدن العربية، مدينة خيالية أخترعها الكاتب لتكون أنموذجاً للعديد من مدن النفط التي نشأت فيها شركات استخراج النفط عن طريق الشركات الغربية، تظهر الرواية الصراع الأبدي بين قوى الاستعمار متخفية في ثوب الباحث عن النفط وبين السكان الأصليين الذين يعيشون على تراث وطريقة فإذا بهم بين يوم وليلة تتغير حياتهم وتتفجر ينابيع الشك والريبة وتتصاعد الاحقاد بوجود الغرباء ويتحول الأمر إلى صراع خفي ومراوغة يسعى المستعمر لإثبات نياته الحسنة في إعمار الأرض واستخراج النفط لخدمة العباد والبلاد بينما يلبس الصحراوييون والسكان الأصليين لتلك المدن ثوب الريبة والقلق حول المصير والمآلات وهم يرون التغيير يزحف يوماً بعد آخر لتطل على حياتهم القديمة ، حيث يجر المستعمر اللطيف لا فقط شركات النفط وقطع الحديد والمنشئات العملاقة بل أيضاً تأتي بثقافة جديدة لا تلاقي أي ترحيب بل تحمل في طياتها لب الصراع وأس الشك الذي يتصاعد بشكل ذكي وبالغ الرتابة طيلة صفحات الرواية حتى تصل إلى الذروة التي كانت منتظرة من هذا التلاحم الغير مريح بين طرفين لا يجمع بينهما شيء سوى تمديد فترة السلام لأطول فترة ممكنة ..
الشحصيات التي يصنعها منيف بالغة الرقي ومعجونة بطابع الواقع العربي والبدوي ، كل شخصية هي حكاية وقصة مكتملة بحد ذاتها، ما أن تتلاقى مع إحداها حتى تشعر وكأنه شخص عادي فإذا بك تتعلق به وتحاول أن تسير معه في مساره ونضج شخصيته وتطوره للوصول إلى ما يريدك الكاتب أن تتبعه ، شخصيات منيف عادة هي ما تغني رواياته وهي من جمال صياغتها تشعر وكأنها حقيقية وليست من خيال المؤلف، تشعر وكأنك تعرفهم وألتقيت بهم من قبل لذا كل من تقرأ عنه من شخصيات إنما هو بلورة لشخصية حقيقة جداً وحية جداً وإنسان بكل عيوبه وجنونه وحزنه وخيباته وتناقضاته ، إنه يحول الشخصية إلى صراع، الشخصية عنده هي الرواية بل هي الأساس ، أما الباقي فهي مجرد تفاصيل قد لا تهمك، يعجبني كيف يتمكن من رسم شخصية ثم يجعلك تتبعها رغماً عنك، تهتم بمصائرها وتحتك بوجودها وتغرق في الحوارات وكأنها شأن حميمي بين الأصدقاء ..
ليست مجرد رواية بل ملحمة عربية تختزل الكثير من صورة تاريخنا العربي منذ بداية القرن الماضي وحتى هذه اللحظة من تصوير لأدوات الإستعمار، إلى دور الشعوب التي تترنح أمام الواقع الجديد وما زالت، وللأسف، قلما تتعلم الدرس وتتعامل مع الوجه الحضاري الجديد بريبة مطلقة أو تناغم يجعل الإنسان هنا ممسوخا وكائناً تابعاً بكله لوجه الاستعمار البشع بل وخادماً مطيعاً لسيده الأبيض .. الرواية درس قاسٍ من الماضي وهبة في وجه الظلم وتبصر بمعالم الفوضى التي تعج بها البلاد ، حيث الثائر يتحول إلى شبح والبطولة التي تتغنى بها الشعوب تبقى هي الوسيلة الوحيدة الخروج من التي .. التي الذي يصنعه مدن الملح وتفتته الجموع البشرية المتعطشة لإسترداد ولو بعضاً من حقها في ما كانت تملك ..
هذا هو الجزء الأول من الخماسية وعسى أن نوفق في قراءة باقي الأجزاء وأن تكون بهذا المستوى من العظمة الروائية التي تليق بقلم منيف .....more
عندما يمتزج الحب مع الغضب مع الجنون، يستحيل أن ينتج شيئاً سوى عبثية تغرق القارئ في عنفوانها .. أفهم كم كان غاضباً منيف عند كتابة الرواية ناقماً على كل عندما يمتزج الحب مع الغضب مع الجنون، يستحيل أن ينتج شيئاً سوى عبثية تغرق القارئ في عنفوانها .. أفهم كم كان غاضباً منيف عند كتابة الرواية ناقماً على كل شئ ساخطاً على أشياء هاذياً كما هو دائماً .. تحولت الرواية بفضل ذلك الى حالة من التشرذم الجنوني العبثي بين وصفٍ لعلاقات البطل الجنسية وحالة التمرد على الذات الإلهية ولم أجد شيئاً يبرر كل ذلك السخط اللامعقول، لماذا أقحم كل تلك التفاصيل في القصة!! لا تكتب عندما تكون بهذا الحال من الغضب، فأنك أولاً ستندم على ما كتبت وتجعل القارئ يندم لأنه قرأ لك..
لا أخفي مدى تأثري بكثير من تفاصيل الرواية ، بذلك الواقع الأليم والصخب النفسي المتأجج وبذاك الحب الضائع وتلك الأماني المعلقة والغضب المكبوت على حافة الإنهيار ، حزنت وآلمني كثيراً وأنا أقرأ بعضاً من تلك الكلمات التي ستصيب القلب بلا شك ببعض سكاكينها اللاذعة وخاصة لمن مر بتجربة من تجارب الحب المستحيلة والعدمية تلك ، ولكن رغم ذلك لا يمكن تجاوز تلك المطبات الشاسعة في الرواية والتي ستصادف منها الكثير وتقع في معظمها لا شك، فضلاً عن الإفراط في تناول مشاعر الحب في لحظات معينة بدرجة مستفزة أحياناً..
بإمكان هذه الروايات أن تكتب بشكل أفضل، وخاصة مع كاتب يمتلك قلماً رائعاً ومعجزاً على صعيد الأدب العربي كـ منيف.. حينها ستفكر كم هي ضائعة ,تائهة ,غريبة وموجعة هذه الرواية !!
كلما أنتهي من رواية في أدب السجون أقول لنفسي هذه الأخيرة وأعقل يا ولد ولا تعذب نفسك بقراءة المزيد من هذا العالم الحديدي المتوحش ، وإذا بي مرة أخرى أقعكلما أنتهي من رواية في أدب السجون أقول لنفسي هذه الأخيرة وأعقل يا ولد ولا تعذب نفسك بقراءة المزيد من هذا العالم الحديدي المتوحش ، وإذا بي مرة أخرى أقع في مصيدة جديدة تبتلع روحي لأيام بعد القراءة وترغم ماتبقى مني على محاولة نسيان التعذيب النفسي الذي لحق بي جراء القراءة لهذا النوع الروائي ..
أدب السجون ليس مشابهاً لبقية الروايات التي قد تقرأها ، إنه أشبه بدهليز قذر تكتوي فيه روحك بقراءة كل سطر، ويتزايد الألم المختزن في داخلك، أضطرب أحياناً وأتوقف وأستنشق بعض الهواء النقي وأشعر بأنني مازلت في هذا العالم ..
قصة " طالع العريفي " و " عادل الخالدي " في هذه الرواية لا تختلف كثيراً عما قرأناه في أدب السجون، جنون السجون والعذابات التي لا تنتهي وقسوة الجلاد اللانهائية والإقتصاص من كل ما في الإنسان من كرامة ووجدان، قصتان متباعدان تشتركان في تحميل المسؤولية على الوطن والناس (عبر الصمت والصبر المزيف) مسؤولية هذه السجون وتراكمها على أرض قد أصبحت مهمتها الوحيدة تعذيب وسلخ مواطنيها تحت ستار الوطنية والشعارات الكاذبة، يأخذنا منيف الى رحلتين في منافي السجون، حين قصة "طالع العريفي" الأشد قسوة وألماً، تجاوزت سطوراً بأكملها ، وتتابعت لعناتي فوق رأس كل ظالم أعرفه في الدنيا، من أين أتت للإنسان هذه القسوة، أي شيطان قد تجسد في صورة هؤلاء الجلادين، يا الله، لا أمتلك تفسيراً لما قرأته ولن أحاول إيجاد أي تفسير مُمل، لأنه في نهاية التفكير قد يقودني العقل الى إيجاد مبرر ما لأقنع نفسي بما حصل هناك حتى لا أنهار أمام تلك السادية الجهنمية، ولا رغبة لدي في إيجاد التبريرات السخيفة..
الرواية ذكية ومتنقة جداً في وصف السجون وفي رسم ملامح السجانين والضحايا في أبشع مكان قد يتصوره العقل البشري في هذا العالم، أجاد منيف سرد كل تلك العذابات من دون أن يهبط الى مستوى كسب شفقة القارئ، وهذا لعمري عبقرية روائية يندر أن تجدها عند من يكتبون أو يتحدثون عن هذه المواضيع الحساسة وخاصة الروائيين العرب الذين يجيدون إستمالة العاطفة والشفقة عن القارئ وبذلك تضييع الهدف من الرواية نفسها وخيانة الرسالة المراد توجيهها للقارئ والمثقف..
وبهذه الفقرة وبهذا التساؤل الجوهري عبر فيها منيف عن هذه النقطة بالذات حيث يقول بلوم وحرقة شديدة :
" ولا أريد أن أبتزكم لأستدر عواطف الشفقة عندكم، فأنا بمقدار ما أكره السجن أكره الشفقة ، لأن هذه العاطفة ، ثم الخوف الذي يليها ، من الأسباب القوية التي جعلت السجن يستمر حتى الآن، فواحدكم ،بعد أن يحزن، وقد يذرف الدموع، يضع رأسه على الوسادة وينام ، متوهماً أنه أدى واجبه، وأنه نجا، وقد يشعر بالسعادة التي تصل درجة الغبطة ، لأنه لم يكن الضحية! "...more
يروي لنا عبد الرحمن منيف قصة طفل عاش في قرية (أم النذور) طفل متمرد على مجتمعه وبيئته وعادات اهل قريته.. تحكي عن الصراع ذلك الطفل الذي خاضه مع ابيه واليروي لنا عبد الرحمن منيف قصة طفل عاش في قرية (أم النذور) طفل متمرد على مجتمعه وبيئته وعادات اهل قريته.. تحكي عن الصراع ذلك الطفل الذي خاضه مع ابيه والشيخ والمرض لكي يصل الى طموحه ورغتبه في التعلم.. رواية أدبية تروى على لسان طفل في الثامنة من عمره،، تحفة أدبية تستحق التقدير.....more
من الروايات القليلة التي أعيد قرائتها، هذه الرواية التي كانت تطل بذكراها الخريفي على قلبي بشكل متقطع بين فترة وأخرى، الرواية التي لم أبالغ لو قلت أنهامن الروايات القليلة التي أعيد قرائتها، هذه الرواية التي كانت تطل بذكراها الخريفي على قلبي بشكل متقطع بين فترة وأخرى، الرواية التي لم أبالغ لو قلت أنها سيطرت على مخيلتي لفترة طويلة بشخصياتها وأماكنها وموضوعها الجارح كسكين، المؤلم كيوم خريفي حزين ، ألجأ لمنيف كلما يطغى علي فتور في القراءة، تعب، ألم، هذيان، وجع روحي، مرض، أعلم منيف كم هو غاضب وجارح وينثر الملح على الجراح ولكن ليفعل ذلك ما دامت هي الطريقة الوحيدة للإستمرار في هذه الحياة وفي ظل هذه البلاد المهزوزة..
هذه الرواية عالم من الهزائم المتكررة، قلعة من قلاع الغضب على كل ما هو شرقي ، سخط ،غضب، شتائم ، على هذه البلاد ، نعم هذه البلاد التي لم ولن يرغب منيف في تسميتها، هي كل بلاد الشرق بجلاديها ، بملوكها ، بهزائمها ، بخيباتها، بجُناتها، برائحتها، بظلمها، بقواديها، بمغتصبيها، بالدماء التي يبدو أنها لن تتوقف حتى تغتال آخر (مرزوق) على وجه هذا الشرق النازف بدماء لا تشبع الأرض منها، هذه الرواية هي القلق والجراح والهزيمة، من هو المريض الذي لا يشعر بثقل الهزيمة وهو يعيش في هذا البقعة من الأرض، الهزيمة التي لا تتوقف عن التوالد بإستمرار فاحش ، منيف يجسد الوطن والإنسان المعرض للخسائر، الإنسان الذي يمثله بدقة بالقسم الأول من روايته متمثلاً ب ( إلياس نخلة ) هذا الإنسان البائس النحس الذي لم يجلب لنفسه سوى الشقاء، الذي إستبدل القمار بالإشجار، باع أشجاره وعالمه وأحلامه وأحلامه بثمن بخس، فضاع في بلاد الشرق كما ضاعت أشجاره وأحلامه يتجرع ذل العمل والكسب، يعود إلى أرضه، يغادر ، في حالة من الضياع، لا يعرف في حياته سوى الملل من الأشياء، حضوره خافت، مغامراته كهباء منثور، يتعجل الإحتمالات ويكاد بإستمرار أن يتحول إلى الرجل الخراب، إلياس نخلة، شخص طموح، مغامر، محب للأشجار والطبيعة ضيعه هوسه بمعاكسة الأشياء كما عاكسه مصيره على الدوام ..
القسم الثاني من الرواية يتحدث منصور عن نفسه، على عكس إلياس، عاش حياته يحلم، مثقف، يبلغ درجة عالية من الوعي يجعله يعيش في عداء تام مع السياسة، يكره السياسة ويمارسها، يعاني من أبسط الأشياء، له وجهة نظر مثالية لكل شيء ، يحتويه رغبة غامضة للهروب دائماً، هروب من الوطن والجلادين، يخاف أن يفعل الأشياء لأول مرة، يخاف على نفسه، في داخله شخص جبان لم يتأقلم يحاول أن يفلت من وعيه، من مستقبله، من وطنه الذي لم يقدم له سوى تبعات الحرب والهزيمة، عاش مهزوماً في داخله، لا يتطلع إلى إعجاب أحد، فقد الشغف، ما عاد يسأل إلا عن الأمور التي لا يمكن ان تحدث في وطنه، يبحث عن مرزوق، مرزوق الذي أغتيل، أغتاله منثور، لا يتركه الهذيان بمرزوق، عاش حياته يتخطفه ذكرى مرزوق، مرزوق الذي تركه كقبر يمشي على قدمين..
هذه الرواية هي رثاء لمرزوق، رثاء لكل من حاول أن يتنفس الحرية في هذه البلاد، أن يستنشق الوعي، أن يقول ما يفكر فيه، قبل أن يموت آخر مرزوق، قبل أن ندفن آخر مرزوق علينا أن نقرأ هذه الرواية، حينها نكون مجانين، أو مريضين ، أو نقف مثل الجنرالات العظام في أوطاننا !! ونعتبر كل الهزائم إنتصاراً مجيداً وعرساً وطنياً يجب أن لا يمر كل سنة دون إحتفال !! ..
رواية من الطراز الفاخر، يمزج فيها منيف الغضب بالسخرية، بكشف النفسية العربية الهشة والواقع الأكثر هشاشة ، يفتش دائماً عن سخرية خلف كل معنى، هذه أول رواياته، أبدع فيها، قلمه موزون لا تكاد تجد الملل في كتاباته، يحرض على التساؤل ويكتب أسئلة مزمنة للمستقبل، منيف صاخب، شجاع، غاضب كعادته، مثقف ومغامر ، تستحق هذه الرواية أن تكون من أفضل الروايات العربية المكتوبة على الإطلاق .....more