أثارت اهتمامي التساؤلات التي طرحها الكتاب. ولكن التناول لم يكن على مستوى تلك الأسئلة الصعبة المثيرة للجدل.
كان الكاتب جريئاً في مطالبته الواضحة والصريحأثارت اهتمامي التساؤلات التي طرحها الكتاب. ولكن التناول لم يكن على مستوى تلك الأسئلة الصعبة المثيرة للجدل.
كان الكاتب جريئاً في مطالبته الواضحة والصريحة لإعادة النظر في أصول الفكر الإسلامي ككل، وأتفق معه تماماً في معظم ما طالب به. ويمكننا اعتبار الكتاب مجرد مقالة طويلة كُتبت بروح حماسية. ولا يمكننا النظر إليه كبحث جاد يُعول عليه في الإعتماد على مصداقيته العلمية....more
ما الذي جعلني "مفتونة" بكتابة أمين معلوف في هذا الكتاب؟ هل اللهجة الهادئة المحايدة العاقلة التي يحكي بها عن من يختلف معهم؟ أم تبسيطه لرواية أحداث تاريما الذي جعلني "مفتونة" بكتابة أمين معلوف في هذا الكتاب؟ هل اللهجة الهادئة المحايدة العاقلة التي يحكي بها عن من يختلف معهم؟ أم تبسيطه لرواية أحداث تاريخية معقدة؟ أم براعته في قراءة ما وراء سطور أي رواية تاريخية؟ أم لأنني وجدت التجربة ككل هى تجربة "مُبصرة" وذلك شيء قليل الحدوث في قراءاتي؟
كنت شاكرة لأمين معلوف خلال مطالعتي، وكنت أظن أن كل ما نحتاجه هو الكثير والكثير من "الأقلام الهادئة" مثل قلمه. والتي نتعلم منها نفكر ونختلف ونعارض ما نراه خطأ وضلال دون صدامات كلامية زاعقة لا معنى لها.
ربما قرأت عن الأحداث التاريخية في تلك الكتاب مراراً وتكراراً. وما حكاه موجود بكتب التاريخ العربي والغربي. ولكن عين أمين معلوف جعلتني أرى بعين جديدة ما سبق وعرفته من قبل.
رأيت أن الجزء الأخير المتعلق بالحاضر والمستقبل لم يكن بقوة ما سبقه من أجزاء. ربما أحسست بلهجة من التردد والشك والتي يتبعها من مثل ذلك المفكر الكبير ممن يحسبون لكل كلمة حساباً كبيراً....more
"أن تراودك هذه الأفكار وتعتقد بأنك الشخص الوحيد الذي تراوده هذه الأفكار. أن تشعر أنك الوحيد الذي تساوره هذه الشكوك، لابد أن هذا شئ مرعب." صفحة ٨١
بالطب"أن تراودك هذه الأفكار وتعتقد بأنك الشخص الوحيد الذي تراوده هذه الأفكار. أن تشعر أنك الوحيد الذي تساوره هذه الشكوك، لابد أن هذا شئ مرعب." صفحة ٨١
بالطبع هذا شىء مرعب. تمر قرون أربعة على هذه الكلمات، ومازال هناك من يُرهبه عقله، لأن هناك افكارا مختلفة تراوده، لأنه يجد أن هناك خطأ ما فيما يُلقن أو يُقال له أنه الحقيقة المطلقة، ولأنه لا يجرؤ على لفظ شكوكه تلك بصوت عال. فمصير من يُخالف الجماعة معروف الجميع، الطرد واللعن أو حتى القتل.
رأى سبينوزا أن العقل هبة ومنحة قد وُهبت له كي يُعمل فكره فيما حوله. لا أن يؤمن مثل الببغاوات الذين أخبروه أن المؤمن الحق هو من يُلغي عقله كليةً أمام نص أو شروح أو قوانين قِيل أنها مُنزلة من السماء.
ولذلك، أصر بطلنا على أن يمضي في طريقه وحيداً في معرفة الحقيقة والكون والخالق. ذلك الطريق الذي كان ضريبته هى "الحرم" أي الطرد والنبذ من الجماعة "المؤمنة".
على إحساسه بالألم لحرمانه من أهله وبيته، يشعر سبينوزا نسبياً بالراحة لتخلصه من عبء العيش مع جماعة لا ينتمي إليها. ولكن بالوقت يدرك أن المرء لا يمكنه اقتلاع نفسه من جذوره كلية. فيظل صدى الصلوات والأدعية التي تعلمها في طفولته يدق طوال الوقت برقة في عقله.
يعود إليه قبل النهاية "فرانكو" المؤمن المتشكك مثله. ولكن طريق الحقيقة لدى فرانكو يتخذ منحى أكثر تحرراً من سبينوزا. إذ أنه يؤمن بأهمية الشعائر والطقوس والدين بل والخرافة في الحياة. مما يُثير بداخل سبينوزا بعض الشكوك حول إنكاره العتيد للدين. وهنا أيضا ينشأ تساؤلاً طالما جال بعقلي، هل يمكن للإنسان أن يكون متشككاً وفي نفس الوقت حريصاً-ليس عن نفاق أو خوف-على التمسك بأداء كل أو بعض شعائر الدين الذي ينتمي إليه؟
في قصة أخرى أراها أقل ابهاراً، نرى قصة ألفريد روزنبرج الألماني المتعصب لعرقه الآري ضد اليهود. فمن خلال الحوار الذكي والممتع مع صديقه وطبيبه النفسي "فريدريش بفيستر"، نغوص بشكل تدريجي إلى شخص روزنبرج المتكتم المهووس بذاته، والخائف المهتز الذي لا يفهم لماذا يظل منبوذا دائماً.
كانت الحوارات في الرواية هى أفضل ما فيها. كان الجميع يخفي بداخله-سواء في قصة سبينوزا أو قصة روزنبرج-مالا يستطيع قوله. أو يستطيع ولكن لا يريد أن يجهر بما يشعر به. فكانت الحوارات مثل قشرة البصلة التي تتكشف بهدوء طبقة بعد طبقة إلى أن تجد الكلمات في النهاية طريقها إلى الخروج، ومن ثم تحرر النفس بما ثقل طويلا عليها.
الرواية هى رحلة جميلة وممتعة في النفس البشرية التي لا نستطيع فهمها. وجولة مع أفكار فلسفية صعبة بسطها الكاتب في حكاية تستفز عقل من يقرأها....more