العائد
لقد عدتُ من الحرب، لكنني لم أجدك.
أعلم جيداً ما الذي يمكن أن يكون قد أبعدك.. لكنني أحتار فيما أتمنى أن يكون السبب.
أذكر بوضوح ملامحك قبل أن أغادر، بينما أفعل.. كنت تريدين أن تقولي:"لا ترحل"، وكنت أريد ان أقول:"ابقِ". لكن كلانا تواطأ مع الرحيل.
ذهبتُ إلى الجبهة التي ظننتها حُلوةً دفاعاً عن الوطن، لكنني وجدتُ أن الوطن يحتاج أكثر من ذلك بكثير. وظننت بخروجي أنني أثبّتك كالوَتَد في أرضه، لا يتزحزح مهما عصفت به النّوائب، لكن ما كنتُ إلا مشكاة للرحيل.
عدتُ وأنا أفكر إن كنت سأجد جدار منزلكم واقفاً كي ألوّح لك بيدي حين تطلين من نافذته. قلتُ جدارٌ واحد يكفي.. لكنني عدت ووجدت بيتك كله، من دونك. كان جدار منزلنا متّكئاً على سور باحَتكم، وكأنّي به يئنّ. وكانت غرفة معيشتنا مفتوحة بفِعلِ قذيفة على الهواء الطلق. وكان منزلكم صامداً متكاتفةً أوصاله.
ذكرت كلام أمك، "البيت بيتكم" كانت تقول، فدخلت.
كانت رائحة غيابكم تملأ المكان. نظرت إلى صورتك على الحائط يوم تخرجك من الثانوية.. كنتِ قلتِ أن أمك ستستبدلها بصورة زفافنا حين نتزوج. على ذكر الزواج، أتُراك تزوجت؟
أعلم أن الغربة قاسية، وأن العزوبية تزيد من همّك على والديك.. لا تقلقي.. أعلم أن أهلك يحملونك في أعينهم إن اقتضى الأمر، لكنني أفهم جيداً كيف تفكرين.. وأعلم أنك لم تكوني لتفقدي الأمل بعودتي، لكن سرعة الإخلاء لم تسمح لك بالتمرد والعصيان. وأعلم أنك أخذت أوراقك كما نبّهتك أن تفعلي إن حصل واضطررت إلى الذهاب.. وأعلم أنك مزقتِ ورقةً بعينها قبل أن تقفي أمام المأذون.
لا تقلقي، أسامحك.. سامحتك وأسامحك.
أنا لم أعد أصلاً، رسالة مني فعلت لكنها لم تجد أحداً ليقرأها.. فوقفت عند قبري وباشرت العويل.
حنان فرحات
2017