Hanan Farhat's Blog, page 3
September 9, 2021
إناء جديد
"إنّها تصفرّ..!"، قلتُ لجدتي في عجالةٍ إذ سمعت صوتها بينما أكلّم أمّي عبر الهاتف. "قولي لها إن الشتلة تصفرّ".
كان الأمر مضحكاً بالنسبة لي، أو بالأحرى "إشارة" أنّ عليّ الكفّ عن الحلم قليلاً بفلاحة أرض الشقة التي نسكن في بيروت، وزراعتها بيدراً من الجرجير سريع النموّ، أو الريحان العبق الرائحة، أو الفجل الذي يبحث الراحة في نفس من يحصده. بدأ الأمر، أو انتهى فعلياً، حين أخبرتني جدتي بحماسٍ أنّها جهّزت لي شيئاً مميزاً. قالت لي إنها تعرف أن السائد إهداء شتلات الورد، ولكنّها تطمح إلى شيء أكثر فائدة بالنظر إلى "ظروفي المعيشية". قالت والابتسامة تعلو وجهها البديع، "أعددتها وسقيتها على مدار عدة أيام، آنيةٌ فيها من تراب "حاكورتي" وبصيلاتٌ خضراء تقصفين منها كلّما أعددت صحن سلطة! ما رأيك؟ أليست أفضل من الورد؟!".. وإذ تكبر ابتسامتها، كبرت ابتسامتي أيضاً، فهي حين وصفت الإناء واهتمامها به قلتُ لنفسي مسرورة أنْ ها هي شتلة الريحان قد تأمّنت من دون عناء، ثم انقلبت ابتسامتي ضحكةً على توقعاتي عند خيبة الأمل. لم أخبر جدتي وقتها –لكنن� فعلتُ لاحقاً- أنّني عادةً أستبعد البصل الأخضر من كل وصفات الطعام، ولو أن حديقتي المأمولة وجدت طريقها إلى الحياة، فإنها بالتأكيد لم تكن لتحتوي عليه.
ما علينا.. أحضرت إناء البصل إلى البيت، وانتقيت له زاوية مشمسة، وسقيته باستمرار.. وربما كان لخوفي من اتصال مباغت بالصوت والصورة أثر عكسي، فرحت أسقي البصيلات كلما مررت من جانبها حتى اصفرّت وبدا عليها التعب. لا بد أنه الخريف، أو أنها عرفت أنها غير مرحب بها فلم تستطب المقام في ضيافتي-فأنا أؤمن بالودّ المتبادل بين النبات والمعتني به-. على ذكر الخريف، منذ عدة أيام انتبهت إلى أن حلمي الأخضر صار غير صالح للتنفيذ ما يعني تأجيله إلى السنة القادمة. إلى ذلك الحين، أكتفي بصبارات صغيراتٍ من زوجي وابنة خالي، صبارات حذقاتٍ لا يطلبن الكثير من الماء ويكبرن ببطء شديد فلا خوف منهنّ ولا عليهنّ.
بيروت 9 أيلول 2021
August 15, 2021
أيها المو� اللطي�
إنه ضربُ وجاهه..إنه تغيير جو،بين تفصيلٍ وآخر..إنه درب المتاهة..هل أموت اليوم في طابور خبزٍ؟أو تضلّ رصاصة تاريخها..أو تمزقني،أنا،قنينةٌ مضغوطةٌ أكثر مني..
هل أموت في سفينه؟أو هل أموتُ،وراء واجهةٍ زجاجيهْ متينه!هل تجيء السكتةُ وسْط الطريقْ؟هل تكون السكرةُ تحت الركامْ؟أم ربما في جلسةٍ،أو في حريقْ!مرفأٌ؟قارورةٌ؟صهريج غازْ؟أو منجنيق!
أيها الموت تفهّمْ،إنك لست هوايه..ربما ضيفٌ ثقيل،بين أكوام الضحايا..جِد لك طيارةً،تحملك باسم السفاره،هم يلمّون الرعايا..
لستُ أدري،أيها الموت اللطيف..كيف أصبحتَ نقاهة.يظهر الأمر كنكته..مزحةٌ سمجه،فكاهة.
كيف صار الصامدونَ،مجرجرين إلى الودَاعة؟كيف صار الجرحُ؟ عادة؟كيف صار الضوء،أيها الساده، رفاهاً؟كيف صار الخبز جاهاً؟استحال الداءُ صبراً؟استحال المرء تبراً..ثم قام القائلون:ثورة الناس دعاية..غيَّروا مشروعهم في لحظة،صار بيع الموت غاية!
#عكار ٢٠٢١
April 1, 2021
دكان وحب
خلف الواجهة الزجاجية مطحنة البنّ التي تكفل رائحة الدكان الزكية، وفي الرفوف الداخلية كل ما تحتاج السيدة لبيتها والفتاة لزينتها والسائل لطلبه.
وأما ما يخفى على رائي الصورة فكنبة كأنها السرير الوثير، ومدفأة كأنها شمس الصيف، وثلاجة فيها البوظة الممنوعة علينا في غير وقتها المشروع، وسجادة صلاة مرتّبةٌ بين الباب والمدفأة، يعلم الداخل أنها ممدودة إذا رأى الباب غير مفتوح على مصراعيه.
وفي الدكان كان ما لا يُحصى ولا يُعدّ من أسباب الحب والاطمئنان. فسيدة الدكان، جدّتنا. وهي التي لا تُقدّرُ مكانتها بميزان، ولا يقاس الشوق إليها بقبّان.
*الصورة من عام ٢٠١٣ إثر إخلاء الدكان بعد وفاة جدتي أم جمال مغدورة.
اللهم ارحمها واغفر لها واجعل قبرها روضة من رياض الجنة واجمعنا بها في جنتك🙏
February 21, 2021
في الح� الجدي�
#في_الحي_الجديد#حنان_فرحات | ٢٠٢١
January 25, 2021
مشوار إلى الدكان تحت القصف
أيام حرب تموز، أصريت على أمي أن أسير إلى السوبرماركت لإحضار أي شيء كان،"ما بدك خبز؟؟"، استنجدت بالسؤال اليومي علّني أحظى بموافقة تغيّر شكل يومي الصيفي القَلق، فلما رأت أمي ما بي من إصرار، أشفقت علي.تبعد السوبرماركت حوالي ال٥ دقائق مشياً على الأقدام، لكن تلك المسافة تصبح بعيدة جداً في حال لاحت طائرة حربية في السماء، أو حتى ورَد إلى آذاننا صوت قصف أو افتتاحية له.
فكرت أمي جيداً في شيء قد تحتاج إليه ولا يثقل أذرعي ذات ال١٣ عاماً، ثم كما توقعتم جميعاً، طلبت كيلو أرز. أعادت علي وصفه واسمه مرات عديدة، وهززت رأسي مرات أكثر. وكأنما في كل إعادة تُمحى الجملة التي سبقت.ذهبتُ مشواري بسرعة كي لا أخرق قانون الحرب، الطريق الاسفلتي، ثم الترابي، تليه قفزة عن الحائط. أمسح قدمي من التراب، أدخل إلى المحل،يميناً حيث رفوف الحبوب، ويا للهول. ماذا كان نوع الأرز؟؟مشيت بخجل ناحية عمو البائع، أنفّذ خطة الطوارئ بإتقان.-ألو امي..-شو في؟؟-قلتيلي دقيلي اذا صار شي. نسيت شو نوع الرز..-...
حنان فرحات ¦ ٢٠٢١
*ولا، ما رجعت عيطت عليي نهارها😃
January 1, 2021
لبنان ٢٠٢٠
دخلنا المصعد وأيدينا متشابكة تستعد للفراق، حين انضمّ إلينا شابٌّ يحمل في يده باقة ورود. منذ شهر فقط، كان زوجي حاملاً الزهور لاستقبالي، والآن يُودّعني، فيما يُضربُ لغيرنا موعد مع اللقاء. ابتسمتُ في سرّي للمصادفة اللطيفة ثمّ انصرفنا إلى وداعنا على عتبة مطار كولمبوس الدولي، مطار عاصمة ولاية أوهايو الأميركية.
ولأنّنا غالباً خائفان من التأخّر، وصلتُ باكراً، بل أوّلاً، إلى قاعة الانتظار. وبينما أنا جالسة أفكر، وإذ بزوجين أميركيين كبيرين في السنّ يتقدّمان نحو القاعة ثمّ يجلسان قبالتي تماماً. عجوز وزوجته، غربيّا السّحنة، كما لو أنّهما خارجان من فيلم أميركي (وهذا أقرب وصفٍ ممكن بالنسبة لعربي!)، يبتسمان لبعضهما بين الفينة والأخرى فيما يجريان التوصيلات اللازمة لشحن أجهزتهما الخلوية.
كنتُ متوجّسة من نظراتهما إذ يبدو أن حجابي غريبٌ بالنسبة إليهما، إلا أن قررا تبادل أطراف الحديث معي كوننا الوحيدين في انتظار الطائرة حتى ذلك الحين. كانا عفويين إلى حد كبير، حيث استرجعا لي قصصاً من طفولتهما، ثم أخبراني أنّ كلّاً منهما تزوج مرةً أولى، وانفصل عن شريكه، ثمّ تزوج كل منهما ثانية، وتوفي عنهما شريكاهما، ثم شاءت الأقدار أن يجتمعا فيتعارفا ثم يتزوجا.
كان زواجهما قد أتمّ قرابة العشرين سنة حتى ذلك الحديث، وكانا متوجّهين لزيارة ابنها في بلاد بعيدة، حيث "يجلس سائقو السيارات في الجهة اليمنى"، والطقس ربيعي جميلٌ، ومدير ابنها يجد أنّ "والدة أيٍّ كان تستحق أن ترى ابنها وإن كانت تسكن خارج البلاد"، لذا فقد ابتاع لها تذكرة سفر ليؤمّن حصول ذلك.
سألتني: " هل من يقود السيارة في بلادكم يكون يميناً أو يساراً؟". ضحكت، ففي بلادي يفترض أن يقود السائقون سياراتهم في الجهة اليمنى من الطريق، إلا أنه يمكنك أن تجدهم دون استغراب يساراً، فأوضَحت: "أقصد هل يجلسون في السيارة جهة اليمين أو اليسار؟". إبّان تلك المحادثة، كانت السيارات لا تزال تسير وفقَ العادة. لم يكن أحد يتوقع أن حظر تجوال سيُفرض لسبب آخر غير الحرب، ولا أنّ زحمة السير ستتقلص لشهور، ولا حتى أنّ الطلب على الفيتامينات في الصيدليات سيصبح في منافسة مع الطلب على الخبز.
قبل أن يزيد منتظرو الطائرة، ويتشتت انتباه العجوزين وحديثهما، وبعد أن استفسرا عن البلاد التي آتي منها، والتقاليد والثقافة وكل ما قد يكون جديداً عليهما، وجّها لي نصيحة ظلت ترنّ في رأسي طوال طريق العودة:
"إذا فتحتِ عينيك صباحاً، ووجدتيه بجانبك، واستيقظ هو الآخر، فتلك نعمة لا تُقدّر بثمن".
والواقع أنّ هذه الجملة، كلّفت هذين الزوجين عمراً وخسارات حتى ينطقاها بهذه الثقة والإصرار، إلا أنّها على بساطتها كانت درساً مهماً من دروس الفيروس الذي اجتاح الكوكب كما لو أنّه مخلوق فضائي لا يُعرف له مسارٌ ولا عمرٌ ولا مَقتل. كان ذلك في شباط 2020، وكانت الطائرة ستحطّ في سويسرا قبل أن أستقلّ أخرى بعد سويعاتٍ إلى بيروت. يومها، كانت الإصابات الأولى قد تأكدت في سويسرا وفي لبنان، وكانت الكمامة ضيفاً خجولاً في المطارات.
في محفظتي كنتُ أحتفظ بعدة كمامات حصلنا عليها –زوج� وأنا- بعد بحثٍ مضنٍ في عدة صيدليات ومراكز تسوق. كما كان لا بد من علبتين أو ثلاثة من المعقمات وأخرى لتعقيم الأسطح. لكنني في الواقع لم أستخدمها حتى وصلت إلى سويسرا. ولأن لا متّسع في حقيبتي للمعطف، ارتديته رغم عدم الحاجة إليه، وبذا ارتفعت حرارتي، وأصبحتُ صيداً لميزان الحرارة الذي يًفترض به أن يكشف إصابة المسافرين بالفايروس عند كل نقطة تفتيش.
أصدر ميزان الحرارة طنينه كلّما مررت، ولا أنا فهمتُ ماذا به، ولا المسؤول عنه أوقفني. كان العالم على نشرات الأخبار يتنبأ بكارثة، بينما واقع المطارات –الت� مررتُ بها على الأقل- لا يكاد يختلف عن عادته، ولا تكاد تجد للفايروس أثراً فيما عدا حديث سيدات لبنانيات يتناقشن في قاعة الانتظار عمّا إذا كان الفايروس يصيب الأطفال أم لا، هذا إذا تغاضينا عن أن أطفالهن كانوا يلعبون على الأرض ويتسابقون بين سيقان المسافرين.
كانت عودتي إلى بيروت بغرض استكمالي العام الدراسي في التعليم والتعلم، ولم يكد ينتهي الأسبوع الأول بعد وصولي إلى لبنان حتى أُغلق البلد وعُلّقت النشاطات الحضورية وانتقلت كل الدروس إلى العالم الافتراضي، وصارت عودتي دونما أي جدوى. مع مرور الأيام، كانت أعداد المصابين تزداد كما تكبر كرة الثلج حين تتدحرج من أعلى التلة، وكان السباقُ للتأقلم وتقبّل الواقع وضمان استمرارية الحياة بأشبه ما يكون من الطبيعية. وبين هذا وذاك، كانت نصيحة الزوجين الأميركيين تزداد واقعيةً وشمولية.
"إذا فتحتِ عينيك صباحاً، ووجدت عائلتك بجانبك، واستيقظوا هم أيضاً، فتلك نعمة لا تُقدّر بثمن".
بالرغم من كل الصعوبات التي واجهها اللبنانيون إثر انهيار العملة الوطنية وما تبعها من تداعيات الإغلاق القسري، إلا أن أجواء العائلة أخذت حقّها بعد أن كانت المشاغل تأكل منها وتُسرِف. على الصعيد الشخصي، بدأتُ روتيناً صحياً واستمتعت بتجربة زراعيةٍ على مدى عدة أشهر، وكذلك كان أصدقاء كُثُر يستفيدون من وقتهم ويعززون مهارات لم تكن بالحسبان حسبما لاحظت من وسائل التواصل الاجتماعي.
كانت قرارات الدولة بما يخص التعليم الرسمي غير قابلة للتوقع، مما أدّى إلى اضطراب وقلق دائمين لدي الطلاب والأهالي والكوادر التعليمية. وحين بانت الأمور وتجلّت القرارات، هدأت النفوس بطلوع شمس الصيف وازدياد القدرة على الخروج والتفسّح في الهواء الطلق، ولو أن الكمامة والمعقم سيكونان الرفيقين الدائمين في المشاوير والرحلات
لم يكد شهر آب يدق الباب، حتى انفجرت سنوات من الفساد والإهمال في ناس بيروت ومبانيها، ارتدّت موجات الانفجار حتى وصلت قلوب كل اللبنانيين في أصقاع الدنيا. فقد البعض منازلهم، لكنّ الأكثر خسارة كان من فقد قلباً كان يمثّل الحياة له. أصبح في ذاكرة كلّ شخص صورة عن خسارة، إن لم نقل جرحاً نازفاً.
انقضت الأشهر الأخيرة من عام 2020، وكل مشاريعي للإنتاجية والإيجابية على حافة الانهيار. الأمل بانتهاء كابوس الفايروس بدأ يتلاشى، والانصياع المؤقت للواقع الافتراضي أصبح فرضاً بعد أن كان خياراً. بدأ الاختبار الحقيقي: كم سنصمد بعد؟ ولماذا أراني أعيد كتابة خطة عام 2020 للعام الذي يليه دونما فارق كبير؟
تعود إليّ كلمات الزوجين الأميركيين بتعديل بسيط:
"إذا فتحتِ عينيك صباحاً، ووجدت عائلتك وأحباءك بجانبك، واستيقظوا هم أيضاً، فتلك نعمة لا تُقدّر بثمن".
إذن، هذا العام، كان نجاحاً أن نستيقظ كل يوم ونجد من نحب قد استيقظ أيضاً. لعلنا في العام الجديد نستيقظ على واقع أفضل، وإلى ذلك الحين تذكروا نصيحة الزوجين الأميركيين.
دمتم بخير
حنان فرحات
بيروت 1-1-2021
August 6, 2020
مختصر البلا� � تفجي� مرف� بيرو�
كُتب للشعب الشقاء،كلّ يومٍ، كل يومٍ،ألفُ سبب للبكاء،بعدما كان القليلُ كافياً،خبز يومٍ للبقاء..ما الذي ظلّ لنا،من دويلاتٍ،سوى التشبيح،والتنويه،والتلويح والتصريح،ومقالاتٍ طويلة..تأخذ الصبر زهاء رغبة الرئيس بالإلقاء..غنّوا القصائد،فيما نحنُ،نكتب النعوات ورسالات الرثاء..لا تقُل، ماكرون، شيئاً..نعرف الناطور والأبواب، والفلّاح...كل صبح،يفتح الناطور - بوابُ البلايا- عينه،دون وخزٍ، في الضمير،دون ثقلٍ، أو عناء..يفتح باب الفناء،
إنما المشكل ليس في الناطور،بل في النواطير التي،تتناوب النهب؛لقمة العيش،وسكون الليل،والأوقات،والأيام،حتىذرات الهواء.
هذا مختصر البلاء.
حنان فرحات ¦ آب ٢٠٢٠
August 4, 2020
تشرنوبل ف� بيرو�: عنب� رق� ١�
إنه عامي السابع والعشرون ينتهي بمأساة تسجل في التاريخ بالدم والدمع.
عام حافل كان منتظَراً بالآمال والأحلام، بدأ بأن فتكت الحرائق بغابات لبنان، ثم انتفض الشعب معلناً الثورة لعل الواقع يتحسن، فإذ به يسوء. لم يطل الوقت قبل أن يفتك فيروس كورونا بالقطاع الصحي ويتأزم الوضع الاقتصادي ويدب الهلع من جوع محتمل، وتطل بين الفينة والأخرى بشاراتٌ بالحرب. لم يكن ينقص البعير إلا شعرة تقصم ظهره، وإذ بهراوة تنهال عليه.
انفجار عنبر رقم ١٢ سيخلد في ذاكرتنا وفي كتب التاريخ كما لو أنه الحرب، أو المجاعة، أو القحط، أو الفاجعة. لا يحضرني الآن إلا ذكرى مأساة مفاعل تشرنوبل. ما بعده لم ولن يكون كما قبله، وهذا بالضبط ما يحصل الآن.الأرواح التي خطفت من أحبائها ان كان بالموت أو الفقد ستظل ندبات غائرة في القصص التي ستروى على مر السنين، والأماكن التي شحبت سيُشار إليها في كل حديث حسب التغيير الذي سيطرأ عليها.
ليلة طويلة عنوانها الاستهتار بحياة البشر ستغير شكل الحياة في البيوت وعلى الطرقات وبين الأزقة. نهاية عامٍ من سِنيّي، انتهت معه حيوات كثيرة، وفجعت حيوات أكثر.
اللهم ردّ للفاقدين أحبائهم، وبرّد جراح المصابين، وأثلج صدور المفجوعين، واجعل ليل بيروت هذا خاتمة أحزانها
June 25, 2020
وردة ودجاج�
لقد كنتُ يوماً وردة. يحيط الاسفنج الملون وجهي كحجاب، ويداي ورقتان خضراوان ضخمتان. لا أذكر ماذا كان لوني، ولا ترتيبي في الصف الخلفي من المشهد.
وبالرغم من جرأتي حينها وشجاعتي في تصدّر المشهد، إلا أنه تم اختياري ككومبارس في تلك المشهدية، فاختبرت مجبرةً خفة انعدام المسؤولية وروعة الذوبان في الصورة العامة.
انقضى النهار وبقيت المسرحية في ركن ذاكرتي الخلفي. تماماً كما كنت يومها واقفة دون قلق يُذكر. أغني مع الكورس، فلا يهمّ من ينشز ومن لا... لن يدرك أحد من الحضور مصدر الخطأ أو سببه، ولن يبقى للأستاذ المدرب فرصة للوم أو العتاب. تغني أبياتك مرتين ثم تصفق وتنحني في نهاية المشهد.
تمشّت الدجاجة، عجنت، خبزت، وبقيت الوردات واقفات. أضحك اليوم من الذكرى، أناس يهمهم أن يكونوا الدجاجة، وآخرون يفضلون الوقفة اللامبالية في خلفية الصورة، والواقع أنها لن تكتمل إلا بالاثنين معاً، وأن من الجميل تجربة الاثنين والترنح بينهما.
ولكن شعب الخلف شعبٌ منقوص حقه في التقدير، يأخذ حصته الخجولة من التصفيق دون تعيين أو قصد.. لذا، فمرحى للوردات الأبيّات الواقفات تلكَ الوقفة، وللأشجار التي يقفن في ظلالها أو في جوارها، فهنّ جمالية المشهد وألوانه مهمها قللت الدجاجات من شأنهنّ، أو فعل مخرج المسرحية.
حنان فرحات ¦ ٢٠٢٠
April 26, 2020
رمضان ف� الحر�
يستعد المصلون لصلاة التراويح، يتزاحمون للوصول إلى الصف الأول، ثم إلى صحن الكعبة، ثم إلى داخل الحرم، أو شرفاته، أو محيطه.يوم ذاك، لم نستطع إيجاد مكان أقرب إلى الكعبة من مجمع تجاري.إنه العشر الأخير من رمضان عام ٢٠١٠.يفترش الناس الأرض. كل أرض.تُغلق المحال قبل الصلاة بدقائق.كل امرء يومئذ إزاره سجادة صلاته، فتراها تغطي البلاط والاسمنت والزفت، حتى الأدراج. كل ما يمكن أن يتسع لجبهة يصبح مساحة للسجود. يتزود المصلون من مكة وغيرها للليالي الوترية، يحضرون معهم ما تيسر من تمر وماء. بعضهم يُكثر مما يُحضر ليُوزع على المصلين.أقف مصليةً مبتدئة في المكان الذي حظيت به. لا سجادة معي إذ إنني توقعت الصلاة في الحرم. لم أظن وأنا المسافرة إليه أن عليّ الحث بالخطوات أكثر.تجلس بجانبي سيدة فاضلة. تمد سجادتها لها ولي مناصفة. تسألني من أين أنا، ثم تخبرني أنها تركت بناتها اللواتي في مثل سني في منزلها الذي يبعد عن مكة قرابة الساعة. "لا استطيع أن أصلي التراويح غير هنا. رمضان يعني الحرم".أبتسم. ليت رمضان يعني الحرم لي كل سنة.
أفكر الآن بعد عشر سنوات، هل تصلي تلك السيدة السنة هذه في الحرم؟
الله أكبر الله أكبر، حان وقت الصلاة.
حنان فرحات ¦ ٢٠٢٠