ŷ

Hanan Farhat's Blog, page 7

September 24, 2018

ظل

كانت شجرةً عملاقةً، تحب الجميع ويحبونها.. وكانت تطرح ظلها على الأرض ليحبوَ الأطفال، وعلى الحائط ليتسلق الفتيان، ثم تتطلع إلى أعلى فتفرش بقاياه على الشرفة كي يجلس الكبار...
ثم جاء يوم وكبر الطفل الذي كان يحبو، وما عاد متسلقاً للجدران، فقد وجد له قلباً مستَقَرّاً. هوى الوالد بالفأس على الجذع ينتزعه انتزاعاً كي يبني جدراناً أخرى يتسع في رقعتها الفيء...
وصار طفل الأمس أباً، وصار له ابن، وأتبع بأخوة كُثُرٍ، كلما أووا إلى الفراش سمعوا أنين اشتياق. كان الجذر حانياً عنقه تحت وطأة المنزل، يحاول عبثاً أن يخرج ويرفع أغصانه ابتهالاً إلى السماء... وظل الوالد يرى كلما خلد إلى النوم ظل الشجرة يمد يديه إلى قلبه يعتصره ليستجديه، فيستيقظ هلعاً.

حنان فرحات | ٢١٨

 •  0 comments  •  flag
Published on September 24, 2018 10:15

August 29, 2018

مرةٌ، لا "مرّتين"

دمتِ صديقةً لي طول العمر. كل عام وأنت الأغلى. حماك الله يا توأم الروح ويا بلسم الجراح، يا من لن يأتي الزمان بمثله أبداً..

تبدع في وصف الأشخاص والعلاقات والأشياء، فيصنف هذا بال"أفضل" وال"أغلى" وال"أثمن" والذي لم يكن ولن يكون له مثيل.

الواقع ألا أحد ولا شيء هو الأفضل، وإن كان كذلك فلن تدركه أنت بمحدودية عقلك...

والواقع أيضاً أن لا شيء له مثيل.
لا شخص يوجد مرتين، ولا شيء يحصل تماماً مرتين، ولا جملةً تستطيع أنت أن تركّبها مرتين.. ولا أغنية ترددها باللحن ذاته ذاته مرتين!

حتى الأحلام تراها "كأنها" حقيقة، والوقائع تحصل أخيراً "كأنها" الأمنيات قيد التحقق.
فستانك "كأنه" خيط لك، والمنصب "كأنه" فُصِّل لك، والقصيدة "كأنها" نُظمت لك، والمقولة "كأنها" موجهة إليك!

كل شيء فريدٌ بشكله ووصفه ومشاعرك تجاهه، وكل شخص فيه ما تحب وتكره، وكل شخص لك نظرة تخصك إلى عيوبه ومحامده...

قِسْ بميزان العدل رضي الله عنك، ولا تسرف على العلن بما لا يخص الناس، كي لا تفسد عليك فرادة المودة ولا تأسف لاحقاً على ما أكثرتْ وأجزلت.

حنان فرحات | ٢١٨

 •  0 comments  •  flag
Published on August 29, 2018 11:16

May 3, 2018

ذاكرة القلم

كان عمري ثماني عشرة سنة، وكنت أنظر إلى المدينة كنهاية وادعةٍ لقصةِ فلاح انتهى كاتباً مبهِراً.
كانت الضيعة الساحة التي يلعب بها ذلك الحلم، وكانت المنعطفات انكساراته اللطيفة، وحدود الطرقات الضيقة حوافّ القصة مُجبرةً. وكان في الضيعة ما كان من خلافات الإخوة والجيران التي تُمسحُ "بمسحة رسول" لما يبزغ فجر العيد. وكانت الحلويات التي تعجن بالفرح وتحشى بدعوة هناء تدخل إلى القلب بهجة عند الصغير والكبير..
ولكنني كنت أنظر إلى كتابات "الكبار" فأرى وأسمع عن ضيعة تحمل ذات الاسم، بملامح أخرى. وكنت أقرأ فأجد الكاتب قد أوفر الحديث عن السعادة التي كانت وولّت حيث أدبر زمانها.. وإذ ذاك كنت أشفق على قلمي، ماذا سيكتب، وأين ذاكرته من ذاكرة الأقدمين، وكيف يكشف غبار السنين؟
وإذ هرولت الأيام، أُكِلت من أطباقنا البركة وخفَت نور النهار حتى بدا كاتصال بسنا القمر، ولم نَعد نحصي العمر بالأيام بل بالسنين.. زحفت المدينة إلى الضيعة واستوطنت بين جنباتها، وأصبح للضيعة "سعادة ولّت"، وغدا الجميع أشتاتاً، وطال انتظار العيد الذي ما عاد يعجن حلوُه بماء "العين"، فصار يقتصر على مرّ القهوة تفادياً لآثار "السكري".
ولكن القلم الذي أصبح بعد سبع سنين قادراً على رثاء الضيعة أصابته نوبة سعال من الغبار الذي غزا واقعه.. لربما تنقشع الضبابة فيعود ليكتب أو تكون "البقية" لحياتي.

حنان فرحات | ٢١٨

 •  0 comments  •  flag
Published on May 03, 2018 08:31

January 9, 2018

إزعاج


لا تعجبني الأشياء العادية، ولا الأشياء الضخمة. وفية جداً للتفاصيل؛ حاملة مفاتيح، زر من اللون المفضل، أقلام ملونة، ريشات رسم لم تصنع لتستعمل، ودفاتر صغيرة بعدد اللقاءات.

يزعجني التكلم بضمير الجماعة،  والنرجيلة، والألقاب حيث لا مقام احترام.
تزعجني الرغبة بإصلاح المجتمع قبل إصلاح النفس.
يزعجني الكلام عن الانجازات كأن لا أحد أنجز مثلها، وعن العلاقات العابرة على أنها مفخرة.
يزعجني التملق، والرغبة بالتألق، والسعي للشهرة، والرغبة اللاارادية بالبكاء، واحمرار الخدين، والسباب والشتم، وازداوجية المعايير، وتعدد الأوجه.
والسياسة.
وكل كلمة من أعلاه تساوي بحراً من الوصف والإيضاح، لكنني أؤثر عدم الإسراف ههنا. وإن كان كل ذلك يزعجني، فليس أكثرَ مما يسعدني.

لا أذكر أنني فرحت فرحاً غامراً إلا مرتين. كل محاولات مفاجأتي كانت تكشف قبل دقائق، فتذوب الفرحة. تبقى فرقعاتها القليلة الباهتة كلغم مفرقعات رطب، فشلتْ محاولة إشعاله لكنه حاول قدر جهده أن يؤدي غرضه قبل أن تنتهي حياته. لكنني أؤمن أن السعادة صنعة تبدأ من الرضى. وإن ترنحنا في حياتنا بين الحزن والفرح، والانزعاج والقبول والتأقلم والرضى، فإن الغالبَ حيث تميل الكفّ ويميل القلب.

تبنى السعادة على الانكسار، ويبنى النكد على أكوام من العطاءات. وما لَبِناتُ بناء الفردَ إلا من اختياره.

1 like ·   •  0 comments  •  flag
Published on January 09, 2018 01:17

December 21, 2017

ثنائية | بيان عبد الخالق - حنان فرحات



حنان.. سألتني قبل عدة أيام سؤالا عرضيا لم يخرج من رأسي بعد. سألتني لماذا يوجد جواز سفر على منضدتي. وقلت لك، عرضا، "لكي أذكر نفسي كل يوم بأنني سأرحل". البارحة فقط فكرت في عظمة جزئية جواز السفر في فسيفساء حياتي. لدي اثنان، جواز منتهي الصلاحية يلازمني في الجامعة منذ أن أضعت بطاقتي الجامعية، وجواز صالح للاستخدام، يرقد على منضدتي منذ ثلاثة أشهر وعشرين يوما. ترتب أختي الغرفة فترميه في أحد الأدراج، ثم لا أعي كيف تهتدي إليه أصابعي لأجد نفسي في اليوم التالي أقلب صفحاته بلا وعي، أمرر أصابعي فوق الختم حتى لكأنني بدأت أمحو حبره.. وأتركه مجددا على المنضدة.حنان، وصلت حدا من التشتت لم يعد بمقدور إنسان أن يحتويه. وحين أخلد كل يوم إلى فراشي يخيل إليّ أن قلبي يتفتت تحت اللحاف، وأحس أن أجزاء منه تتلاشى في قلب الفراش، وفي فضاء الغرفة، وأراها كل ليلة وهي تبتعد عني. يهتدي بعضها طريقه إلى جواز السفر، وأرى الغلاف يبتلع تلك القطع مني، يمتصها عبر جلدته الزرقاء. وعلى عكس ما قد يتبادر إلى ذهن أحد، فأنا لا أشعر بالألم، ولا أحس بالفقد حين يحدث هذا.. إن كان هنالك شيء يحدث في كل ليلة عندما يتلاشى قلبي فهو أنني أحس به ينتزع من جسدي بكل روية وسكينة.. وسلام حلف منذ زمن لا يزورني زيارة طبيعية.صفعة الألم تأتي عندما يرحل كليا، ويترك في صدري خواء تاما، وجسدا يرى ما يحدث ولا يستطيع الحراك.إننا نرى بعين القلب يا حنان. ونحس بأعصابه. هذا ما خلصت إليه تجاربي الليلية. لأنني أراها كل ليلة. وأحس بها. كل الأماكن. تؤلمني كلها. هل أخبرتك يوما أن كتفي يؤلمانني في النهار؟ الشلل أمام الشوق أمر شاق جدا. يشبه نزع الروح.أتحدث دائما عن حنين الأماكن. ولا أستطيع أن أقول للناس أن هذا السيناريو يحدث كل ليلة، وأن في غرفتي، على منضدتي، مطار صغير يسافر منه قلبي كل ليلة إلى أماكن بعيدة، مغبشة. يطمئن هناك، ويترك لي جسدا يئن تحت وطأة الذكريات، وعقلا يكاد التفكير يجهز على شروشه.هاك.هذا هو سر جواز السفر.أنا مغتربة يا حنان.


بيان،العزيزة بيان.قلتِ إنك ستقرئين رواية فاقد الهوية مجدداً، ولو أنك تقرئينها الآن ستجدين إجابات كثيرة لسؤالك الذي تظنين له إجابةً."في كلٍّ منّا غربة، عن شيء، عن شخص.. عن وطن".ما الرحيل الحقيقي إلا ذاك الذي يبعدنا عن مسرّاتنا، وما الغربة الحقيقية إلا ألّا تدركي النقص الذي يعتريك. ومتى عرفته اهتديتِ. إن جواز السفر ذاك، الذي يربض على المنضدة، يوهمك أن في صفحاته انحلال قيدٍ، وأن فتْحَهُ إشراقة شمس، وأن سبيلهُ شرفةٌ مفتوحة على مصراعيها إلى الجمال. ولكنك تعرفين تماماً أنّهُ ذاتُه الذي أخذ أخاك بعيداً، وجعل اللحظات المسروقةَ معهُ ألذّ من أي حلم. إن السفر حلم واعدٍ، لكنّ ضريبته مرتفعة. وكل ما يندُرُ يغلو. هل حقاً تريدين لقلبك أن يتشظّى بين بلاد كثيرة، فيما لا يكاد يهنأ بسكونِ كفردينس حتى يعود إلى الرفيد، ولا يكاد يأنس بالرفيد حتى يغزو كفردينس!  عجباً لغربة تُغرينا، حتى إذا ما تورّطنا تلوّحُ لنا طرقات العودة وهي تبتعد إلى غير رجعة.المغترب يا بيان هو من لا يملك أحلاماً، من لا يملك أهدافاً، من لا يعرف مَحَطّاً لترحال روحه، ومن لا يملك مؤنساً لوحدته. فيما عدا ذلك، كل البلاد أوطان. أنا لك وطن، ريثما تجدين وطنك. والسلام على غربةٍ ما لك منها غير حروفها .

أقول لك دائماً.. أنت العقلانية يا حنان. ولم تخيبي ظنوني قط!حنان.. ذكرتِ رحيل أخي. لقد كان هذا قبل أربعة أعوام. لن أقول لك إنني اليوم أكبر بأربعة أعوام لأنها في عداد العمر مدة قصيرة. ولكنني سأقول: لقد كبرت ربما مليون موقف وثلاثمئة مليون معلومة، والقلب يكبر بوتيرة أسرع من العمر!ولن أقول لك إن الفراق هين، ولكن بعض الأشياء جميلة بألمها، وإن للوحدة عندي قدسية خاصة. أخبرتك مراراً عن دائرتي الضيقة. ربما ضيقتها عمداً حتى أختصر لوعة الألم على معارفي عندما يحين الرحيل. حنان.. الكلام عن الرحيل ولوعته ليس كالحديث عن أن الشمس تطلع من الشرق. وقد علمتني الأيام أن الفراق ليس سيئاً إلى ذلك الحد الذي بدا لي في عمر السابعة عشر.. وإن كنت سأتحدث عن لوعة الفراق فهي، كما قلت يوماً، للمرتحل عنهم.. وليس للمرتحل.إياك يا حنان أن تقولي إن المغترب لا يملك احلاماً، أو أن جعبتنا فرغت من الأهداف.. ولو كانت خاوية لما سهرنا حتى ينبلج نور الصباح، تقتات أحلامنا على ألقِ عيوننا وعضلات جفوننا. بعض الأحلام ثورات، لا تعرف القيد أيّاً كان نوعه. والحدود يا حنان مهما اتسعت رقعة الوطن، سجن. والثائرون تحكهم الحدود كما تحكهم القيود. لا تخطئي فهمي. لا أقول إن القيود عيوب. ولكنني أنا، عن نفسي، لا أحب القيد أيّاً كان.. ابتداء من ربطة العنق!والأحلام كأصحابها. عودي إلى سطوري إلى حيث قلت: وصلت مرحلة من التشتت لم يعد بمقدر إنسان أن يحتويه. لا زلت أثرثر وأنا أعلم أنك لن تفهمي ما يدور في فؤادي من ملاحم.حنان.. أنا لا أهرب من أحد. ولا حتى من واقعي. ولكنني أؤمن أن هذا العمر أقصر من ألا أرى من آيات الله سوى هذه الذرة من التكوين. البارحة كنت في السابعة عشر. غدا سأصبح في السبعين. وهنالك 7 مليار بشري على هذه البسيطة.فلسفتي في الفراق أن هذا الدنيا أقصر من أن نقف عند كل شخص "كتمثال" مقدّس لا نستطيع تجاوزه. الأرواح أسمى من الأجساد. ثمة وطنية القلب، ووطنية الذاكرة، ووطنية الجسد. وكل ما يترفع عن المادية حب ووطن وإيمان. إذا كتب الله لي الرحيل ستؤمنين بوطنية القلب. وستعتنقين وطنية الذاكرة.. وستكفرين بوطنية الجسد. إلى ذلك الحين.. لك رقعة في وطني لا تعرف الحدود، ولكن لا تزيدي علي.. ولا تجوري على أملاك الغير! مساء الخير يا حنان  �

تدركين أنّك انزلقتِ إلى هذا السّجال الذي رجوتك طويلاً أن نفتِعَلهُ، وأراني أفرح به أكثر من إقناعكِ برأيي أو اقتناعي برأيك. لكنّ أجمل جزءٍ فيه هو تَتَبُّعُه وجهاً لوجه. مجدداً، لا أريد أن أكتبَ لبعيدٍ. اعذري اختلاط الأمور والمفردات هنا، ولك حرية إعادة ترتيب الجمل، فكُلّها يجب أن تأتي أولاً، ولا متّسع في المقدمة. العقل والجنون أخوان، بيان، ولا أظنّك تجهلين هذا. والخيط الذي يفصلهما رفيعٌ متينٌ. فمن أفرط في الجنون تدفّقت الحكمة من فاهِه، ومن أفرط في التعقّل داس عتبة الجنون. القلب يكبر بوتيرة أسرع من العمر، أيْ نعم! ولربّما أردْتُ أن أبقيَ عليكِ في دائرتي الجغرافيّة فيما يبتعد الآخرون. لم تعد تُقنعني المكالمات الهاتفية ولا المحادثات الجماعية عبر تطبيقاتٍ جُلُّ اختصاصي تطويرُها! وفيما يهرول العالم إلى التكنيّة أراني أُسحَبُ إلى الرسائل والظروف. وفيما تُمسكين بآلة التصوير، أنظر وأبتسم. لكلٍّ مكانه، ولا يصلحُ العالم إن غاب حقّ الاغتراب في إيجاد مناهض له، ونصير. لكن انظري إلينا نكتب عن نهرٍ، نقف متقابلتين على ضفّتيه. لقد مدحتُ الأحلام َوالتطلعاتِ والأهدافَ والوطن، ولقد تبنّيتِ السّفر والارتحال والأهداف.. والوطن. نحن لا نشهر سيوفنا هنا، بل نصف ما تراه "عين القلب"، تماماً كما قلتِ. وإنّ " العمر أقصر من ألا تريْ من آيات الله سوى هذه الذرة من التكوين"، لكنّه أقصر من أن نفرّط في لحظاتٍ أثمن من أن توصف بعد الفراق الأخير. و "إن الدنيا أقصر من أن نقف عند كل شخص كتمثال مقدّس لا نستطيع تجاوزه"، لكنّها أعزّ من أن نتجاوز بعضَهم، وإلا لمَا وقفنا عند غسان.. وإن "الأرواح أسمى من الأجساد"، لكن شيئاً لن يعوّض عناقاً طويلاً في لحظة بؤس. وإنّ أبشع صور "المادية" جواز سفر يُحَجِّمُ حقّ شخصٍ في الترحال. وإنّ القيودَ تنتظر الثائرين في كلّ المطارات، وعلى كلّ الشرفات، حتى لكأنّها تنتظرهم على شفة كوب "نسكافيه" بديعِ التصميم. إنّ الثورة نعمة، وإن السكون أخاه. وما تلك إلا نارٌ تُغيظ الساكن حتى يتحرك، وما هذا إلا ماءٌ يحاول جاهداً أن يُشذّب ألسنة اللهب. أنا أتكلم عن غربةِ القلب، وأنت عن غربة الجسد. أنا عن فراق الأحبة، وأنت عن فراق الأماكن الذي يزيدها جمالاً ويزيدنا انبهاراً بعظمة الخالق. بعض الناس لهم دوائرهم الضيقة، وبعض الناس يَسرُّهم "قيْدُ" الدائرة.وخير الأمور الوسط.. فإن حدث وأمسكتِ بجواز سفرك، خذيني معك بين أوراقه،.. كي تعودي.صباح الخير، لأن الكتابة لك لا مساء لها.  
 •  0 comments  •  flag
Published on December 21, 2017 11:49

December 19, 2017

ثنائية | نور الهدى عطوي - حنان فرحات

ح:

مررتِ بخاطري اليوم بعد إذ ظننتكِ رحلتِ، كان وجهك دائرياً أكثر من أي وقت مضى، لكن النسيان أكلَ منه ما تيسّر له. لم يُبقِ إلا خيالات، وما نفع الخيالات؟

ن:

يقال إنك لن تستطيع التوقف عن التفكير بشخص ما، إلا إذا توقف هو عن التفكير بك.. أتراك تفكرين بي الآن، أترى ما زلت تذكرينني وكل تلك الأيام التي نسجناها سويا؟! كل تلك الأيام التي ترفض الذاكرة أن تقتلعها، وتلقيها في دائرة النسيان..

ح:

هل يبقى ظلٌّ بعد أن يغيب الجسد من حيّز الذاكرة؟
لقد تعاهدنا ألا تفرقنا المسافات، ولكن عقارب الساعة لدغتنا بالمشاغل فلم نَفِ بالوعد.

ن:

قلتِ لي يوماً إن للوقت والمسافة جانبين أسوَدين.. إن باستطاعتهما تحويل أسعد الذكريات الى أطياف حزن تطاردنا مهما حاولنا الهرب.. تقتحم أعماق القلب غارسة سوداويتها في  أكثر ذكرياتنا جمالا، محوّلةً كل ما كان يوماً بهجةً إلى ألم يعتصرنا ولا يترك لنا خيارا إلا النسيان.. وما من سبيل للنسيان..

ح:

قلتُ لك يوماً إن للوقت والمسافة جانبين أسودين. قلت لك سيغرزان في أكُفّنا حُجّة الافتراق، وفي آذاننا صمماً عن الحقيقة، لكنك قلتِ لا.
أتراكِ الآن صدّقتني بعد إذ أصبحت أريد تصديقك؟
لا أريد صباحاً تبقى فيه صورتك نائمة، فليكن الوفاء، كما الحبُّ، صامداً في زمن الحرب!

ن:

أتعلمين..أكثر ما أشتاق إليه الآن هو تلك الجلسات التي كنا نقضيها في حوش جدتك ذي البلاط المزخرف والنافورة الزرقاء التي كانت تتوسطه باثّة فيه الحياة.. تلك الجلسات التي كنا نخرج فيها من إطار المادة والحياة اليومية ناسجتين أحاديثَ لن يفهمها سوانا..
كخوفك من الوقت والمسافة..وخوفي من النسيان..
أكنا نعلم حينها أن كل تلك الأفكار ستترجم واقعا يوما ما!
أن كل تلك المخاوف ستغزونا محتلةً كما غزت الحرب الحوش، والدار .. واحتل البؤس الوطن!!

ح:

في دار جدتي، سكبتُ في حضنكِ ما بقلبي.
لطالما كفرتُ بالرسائل، وآمنت بالكلمات. أما الآن، ولم يَعُد لساني يُسعفني، فأين ساعي البريد؟
هل اخترقت شظية خاصرته كما اخترق خاصرتنا الغياب؟ مَن للمكاتيب إذ رحل؟ ومن يوصل أوجاعنا قبل أن تكويَنا لوعةُ المفردات..

ن:

لم تعد الكلمات تجد معبرا لها، منذ اغلقت المعابر للحوش، للدار، لك..للوطن.
تبقى حبيسة داخلي تسكنني وآلاف اطياف الذكرى..
هي ايضا في غربة، كل تلك الكلمات التي لم تعد تجد لها اذنا تعبر بها اسوار القلب،لتستوطن روحا تفهمها..
غربة فوق غربة،ولوعة فوقة لوعة..
وما من سبيل..
ما من سبيل، للنسيان..للدار..لك..وللوطن!!

ح:

صديقتي، بسمتي في حضوركِ والغياب، لهفتي عليك هي ذاتُها كلّما يمّمت قلبي تجاهك. سأستعير منك ثقتك بصداقتنا، وأدعو الله ألا يأخذ النسيان منك إلا حديثي عنه.
كلما طال بيننا البُعدُ وقاربتُ على فقدانك أيقنتُ أنّ النسيان مرض، فأعوذ بالله منه ومن حربٍ لم تُبقِ على شيء من قصّتنا إلا بضع سطور وخيبات.

حنان فرحات | نور الهدى عطوي | ٢٠١٧

 •  0 comments  •  flag
Published on December 19, 2017 10:15

November 30, 2017

ثورة

ثورة
________

منذ رقدته الأولى على شريط الانتاج  مروراً بتمدده موضّباً على رفوف الشحن والتخزين وهو يفكر بشيء يبدد عتمته.

لمّا فُتحت علبة أعواد الثقاب، مدّ العود عنقه مغرياً سميراً ليتناوله على أن في ذلك خلاصَه. لكنّ سميراً فاجأه بحفّ رأسه ذهاباً وإياباً بجانب العلبة. 

كانت تلك اللحظة المثالية ليحقق العود حلمه، فأشعل في نفسه ثورةً أحرقته مُولّدةً نوراً تلاه لسان دخان لذع يد سمير، ونقل العدوى إلى الأعواد الباقية.

لما رأت الأعواد الباقية النار متّقدة، قررت أنها خلقت لتحترق اقتداء بالعود الأول حتى يعمّ الدفء.

لم ينس أيٌ منها الشرارة الأولى، بل تناقلوها متذكّرين صورتهم على شريط الانتاج. كانوا على ثقة أن سيكون وراءهم من يحمل الفكرة حتى تبقى نار الموقد، وتبقى خيرات فُرنِه ووهج الدفء وحنوّ الجِلسة حوله.

حنان فرحات | ٢.١٧

 •  0 comments  •  flag
Published on November 30, 2017 08:41

October 18, 2017

خريف

وصل الخريف أخيراً.

كانت تنتظره بشوق لتُسدل ذراعيها وترمي بأوراقها جانباً. جبانةٌ أمام سؤال الأوراق إذ تتخلى عنها، فتُلفّق تهمةً لتبدّل الفصول.

كانت ترغب حقاً في الانتقال إلى فصل جديد، لكنّ حزنها العصِيّ صعّب المهمة. كيف تنتقل وهي لم تذرف الدمع اللازم بعد؟ وكيف تغادر حقبةً ولمّا تغلق على ذكرياتها الحقيبة؟

هل تستطيع ببساطة أن تكمل طريقها كأن شيئاً لم يكن؟ كأن قلباً لم يخفق لأحد، وحذاءً لم يهترئ  من الذهاب والإياب في حضرة الانتظار..

كيف تكذب على نفسها مرة جديدة فتدّعي القوة وهي تحلف للمرة المئة، كاذبة، مرتجفة، أنها لن تكذب!

هل تصدق عيناها نظراتها التي ترمقها شزراً من المرآة؟ أم تواري حنينها وتمضي وفي جيبها أمنية بأن تمطر السماء مظلات؟

هل تأتي لها عواصفُ الشتاء بالدفء كما اعتادت؟ أم إن أناملها ستجرب ولو لمرة خدر الصقيع؟

أسئلة كثيرة تراودها كلما تركت القلم ونوت الاعتزال.

ثم فوقها كلها يتبادر إلى ذهنها أن من حق الحزينين في هذا العالم أن يتقاسموا خبزه.. فإن لم يكن تدوينها له بلسماً لها، فليكن مسكّناً لغيرها.

تعيد الأوراق مرة أخرى إلى مكتبها، وتدفع بيدها اليسرى فصل الخريف قليلاً تستمهله بينما تنهي حديثها مع الكلمات. وبينما تفعل، يغضب فيعصف بكلماتها ليبعثرها.. لكن ذلك لا يفعل شيئاً أكثر من أن يزيد تخبّطها جمالاً.

حنان فرحات | تشرين الأول ٢.١٧

 •  0 comments  •  flag
Published on October 18, 2017 10:38

October 5, 2017

فائضُ نسيان

هل تدري ماذا يعني أن تظن كل الناس أكبر عمراً مما هم، ثم فجأة تستفيق على حقيقية أنك أنت، نفسك، أكبر مما تذكر؟!
***
أن تكون عالقاً سنتين إلى الوراء،
تحجز لنفسك مقعد التلميذ،
وتشعر أن كل الأعمال كثيرة عليك،
وأن الدراسة واجب لا ينتهي،
وأن الحب والحزن والفرح مزاج متقلب كطفل باغتته ضحكة في غمرة البكاء حين لاحت له الحلوى من بعيد..

في هذا، يكون النسيان أكثر مما يجب، بينما يصارع الغير لينسوا فلا يستطيعون.
***
أدري ما يعني أن يتعلق قلبك بشيء، فتحبه وتأسى على ضياعه. أما أن تحاول الإمساك بخناق الوقت وتشد عليه بيديك، فاعلم أنه لن يترك ندوباً عليه بقدر ما سيترك عليك.

أبهرني يوماً مديحٌ لعقارب الساعة، ولكنني اليوم أحدق في شطرها الأول وأتمتم بأسى من فهِمَ أخيراً أنها خدّاعة.
ستبقى تدور، وسيكبر الطفل الذي فينا مهما تناسينا سرعتها في الدوران، وتغاضينا عن رتابة مشوار الشمس اليومي. ثم سنستيقظ يوما على حقيقة أننا نشيخ.
***
في الداخل والخارج تتعاقب العقود وأنصافها، وينتهي الحول تلو الآخر قبل أن نستطيع إنصافه.

حنان فرحات | ٢.١٧

 •  0 comments  •  flag
Published on October 05, 2017 21:56

October 3, 2017

إسمي زينب -2-

إسمي زينب.

كنت قد حدثتكم سابقاً عن قصتي التي بدأت في باص النقل العمومي وانتهت على تطبيق الواتساب مع فتاة تدعى حنان.

لم أشأ أن أخفي عنكم التتمة، بعد أن أطلعتكم على البداية.
وصلني من إحداهن أن فتاة كتبت تدوينة على موقع فيسبوك عن صبية اسمها زينب، تكاد تطابق أوصافي، ولا يمكن أن تكون الصدفة قد جعلتها تلتقي هي أيضا بكاتبة في باص.
بحثت عنها على فيسبوك، وسهل علي الأمر أن خصوصية حسابها غير مقيدة.
تبدو واضحة للعيان. حسابها عليه صورة أو اثنتان في الواجهة تظهر أنها "كاتبة" كما ادّعت حنان من قبل.
قرأت التدوينة التي كان عمرها يوم. ساعدتني أمي قليلاً على فهمها.
وأحببتها كثيراً.
أحببت أنني موجودة ولو بمجرد كلمات، فقررت أن أكلم حنان.
قلت لها أنني وجدت تدوينة على فيسبوك تبدأ باسمي ويليها وصف فتاة تركب الباص فعرفت أنها أنا.
أخبرتها بأن كلماتها جميلة، وأخبرتني أنها أسعدُ بكلماتي من كلماتها.
ثم بدأنا عهداً جديداً، لم نعد مجرد غريبتين التقتا على قصة انتهت هنا. لربما تكون القصة الحقيقية قد بدأت الآن.

 •  0 comments  •  flag
Published on October 03, 2017 12:21